دراسة قانونية لقرار منح الحكومة راتب استثنائي لبعض النواب
سنة 2009 تفجرت أزمة الرشاوي السياسية في الكويت وبدأت بعض الصحف تتطرق لها بسبب تضخم في الأرصدة البنكية لبعض نواب مجلس الأمة الكويتي وكانت قضية الإيداعات المليونية سبب في إطاحة الحكومة الكويتية حيث تفاعل الشارع السياسي الكويتي .
اليوم نحن أمام قضية مشابهة لقضية الإيداعات المليونية عبر منح الحكومة الكويتية لبعض أعضاء مجلس الأمة مستحقات تقاعدية استثنائية لمساواتهم بزملائهم النواب المتقاعدين وذلك بناء على طلبهم وتنفيذاً للقرار الوزاري الصادر تحت رقم 755 بالموافقة على منح بعض أعضاء مجلس الأمة معاشا استثنائيا بناء على كتاب صادر من ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء المؤرخ في 25/5/2017 تحت رقم 35323 و اتضح أنها ليست المرة الأولى التي تمنح بها الحكومة رواتب استثنائية لبعض النواب و لكن تكرار اصدار هذا النوع من القرارات لا يضفي عليها المشروعية الدستورية.
قضية كهذه يجب ان ننظر لها نظرة متعمقة فالوضع يزداد سوءاً في البلد في ظل غياب الرقابة البرلمانية الفعلية وما يحدث هو تعارض صارخ بالمصالح ، والمصلحة نقيض الفساد ، والمصالح المتعارضة هي الحالة أو الموقف الذي تتأثر فيه موضوعية واستقلالية قرار الفرد ، و بسبب قرار حكومي مخالف للدستور يمنح بموجبة بعض أعضاء مجلس الأمة راتب استثنائي دون وجود مبرر مقنع ، وبذلك تم وضع عضو مجلس الأمة في قالب إستثنائي حيث أصبح وكأنه موظف عام لدى الحكومة لذلك أدائه الرقابي سيتأثر سلبا بسبب اعتبارات شخصية سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتعارض المصالح سبب التدهور الإجتماعي والإقتصادي والسياسي من خلال تمكين الولاءات الشخصية على المصلحة العامة وكل ذلك مخالف لمبدأ المواطنة في دولة الدستور التي ترعى مصلحة الجميع وفق القانون .
المخالفات الدستورية في مسألة منح الحكومة راتب استثنائي لعضو مجلس الامة :-
1) نقض النائب لقسمه فصياغة المادة الدستورية رقم (91) لليمين هي أن يؤدي عضو مجلس الأمة دوره كمراقب ومشرع ، لذلك يجب أن يكون مخلصاً للوطن والأمير وأن يحترم الدستور وقوانين الدولة ، فالمهمة الأساسية لكل نائب هي حماية مصالح الشعب وأمواله وأن يؤدي أعماله بالأمانة والصدق .
2) السند القانوني للحكومة في صرف المعاش الاستثنائي هو المادة رقم (80 ) من قانون التأمينات الإجتماعية رقم 61 لسنة 1976 والتي تنص على أنه يجوز بقرار من مجلس الوزراء منح المعاشات أو المكافآت الاستثنائية للمؤمن عليهم وأصحاب المعاشات أو المستحقين عنهم أو لغيرهم من الكويتيين ولو كانوا من غير الخاضعين لأحكام هذا القانون.
هنا نحن أمام مادة قانونية ذات صياغة عامة و المبدأ القانوني هو أن الخاص يقيد العام في حالة وجود تعارض بين نصوص المواد القانونية ، ناهيكم عن أن الدستور هو القانون الأساسي للدولة ، وحيث أن المادة ( 80 ) لم تتطرق بصورة صريحة عن حالة منح أعضاء مجلس الأمة رواتب استثنائية ، لذلك هذا الحق الحكومي في منح الراتب الإستثنائي للمؤمن لهم و للكويتيين هو حق مقيد فيما يتعلق بمنح رواتب استثنائية لأعضاء مجلس الأمة أثناء عضويتهم ، فقد جاء التقييد بمواد الدستور وكذلك مواد القانون رقم 12 لسنة 1963 في شأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة حيث تنص المادة (121) من الدستور أنه لا يجوز لعضو مجلس الأمة أثناء مدة عضويتة أن يشتري أو يستأجر مالاً من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو يبيع شيئاً من أمواله أو يقاضيها عليه وكذلك المادة (122) من الدستور والتي تنص على أن لا يمنح أعضاء مجلس الأمة أوسمة أثناء مدة عضويتهم ، بمعنى حتى شرف منح الأوسمة من قبل الحكومة للنواب حظرها الدستور لهدف حماية استقلالية النائب و ليقوم بدوره الرقابي البرلماني دون أي تأثير او اعتبارات و مصالح شخصية فمابالكم بصرف رواتب استثنائية من الحكومة للنواب دون مبرر مقنع لذلك.
أما المادة (12) من القانون رقم 12 لسنة 1963 فتنص على أنه لا يجوز لعضو مجلس الأمة أثناء مدة عضويته أن يعين في مجلس إدارة شركة أو أن يجدد تعيينه فيه سواء كان التعيين أو التجديد من قبل الحكومة أو غيرها .
وبناء على ما تقدم يتضح أن القرار الصادر من مجلس الوزراء بشأن منح مستحقات تقاعدية وصرف رواتب لبعض النواب اثناء عضويتهم هو مخالف لمواد الدستور وكذلك مخالف كمواد القانون رقم 12 لسنة 1963 فالحكومة يحق لها وفقا لنص المادة (80) منح رواتب استثنائية للكويتين و المؤمن عليهم و لكن حق الحكومة في هذا المنح بالنسبة للنائب أثناء توليه عضويته في مجلس الامة كما ذكرت سابقا هو حق مقيد بنصوص الدستور و كذلك مقيد بنصوص القانون المتخصص بتنظيم اللائحة الداخلية لشئون مجلس الأمة فلو كان هناك مميزات تصرف لأعضاء مجلس الأمة فهذه المميزات يجب أن تصرف بالقانون ولا يتم إطلاقاً الحصول على المميزات للنواب أثناء عضويتهم بواسطة الحكومة طبقا للمادة 119 من الدستور التي تنص على ( تعين بقانون مكافآت رئيس مجلس الأمة و نائبه و أعضائه وفي حال تعديل هذه المكافآت لا ينفذ هذا التعديل إلا في الفصل التشريعي التالي ) و ذلك تجنباً لتعارض المصالح لذلك أرى انه وفقاً لمبدأ قانوني هام أن الأولوية في التطبيق هو الدستور و القانون المنظم للائحة الداخلية لشئون مجلس الأمة وليس قانون التأمينات الإجتماعية.
فكيف سيمارس النائب أحد أهم وظائفه وهي الرقابة البرلمانية ، أي رقابة البرلمان للسلطة التنفيذية من ناحية أدائها وكيف سيحاسبها إذا ضلت ، فالرقابة البرلمانية هي أهم الوسائل المتبعة للتأثير في السلطة التنفيذية وهذا كله يتعارض مع مصلحة النائب بحصوله على راتب استثنائي من الحكومة فكيف سيكافح الفساد وكيف سيعالج مكامن الخلل والقصور وكيف له محاسبة الحكومة .
لذلك يجب عدم تسطيح القضية وأرى أن مسألة حالة النائب المادية سواء كان مقتدر أو محتاج لا تعتبر محل نقاش في هذه القضية لان في جميع الحالات النائب لا يحق له الحصول على راتب استثنائي من الحكومة أثناء عضويته سواء كان مقتدر او معسر، تماما كما حصل في قضية الإيداعات المليونية ، طالبت التكتلات السياسية بمحاسبة النواب والحكومة بغض النظر عن وضعهم المادي و لم يسأل أساسا ان كانوا بحاجة للحصول على المال او لا فالحاجة الى المال لا تعطي الحق للنائب ان يخالف الدستور و القانون و المطالبة بزيادة رواتب النواب يجب أن تتم وفق الدستور والقانون .
وحيث أن المادة 14 من القانون المختص بتنظيم اللائحة الداخلية لشئون مجلس الامة تنص على أنه إذا وجد العضو في حالة من حالات عدم الجمع المنصوص عليها في المادة 13 والمادة 12 المشار إليها سابقاً وجب عليه أن يحدد في خلال الثمانية أيام التالية لقيام حالة الجمع بينهما وإن لم يفعل اعتبر مختاراً لأحدثهما.
والسؤال الذي يثار هنا هو هل سيتم صرف هذا الراتب التقاعدي الاستثنائي للنائب مدى الحياة؟
بإعتقادي وحسب صيغة القرار بأن المنح تم بموجب صفتهم كأعضاء مجلس أمة و لم يتم المنح بصفتهم الشخصيه ، وبالتالي بمجرد انتهاء عضوية النائب يقف الراتب التقاعدي الإستثنائي الممنوح من الحكومة و القرار النهائي يحسمه القضاء.
المحامية/ أريج عبد الرحمن حمادة
المحامية / أريج عبدالرحمن حمادة
2017-09-27